(1)
ابن يُقبل رأس أبيه :
خبر عادي جداً ، ولا يحظى باهتمام أحد .
ابن يشج رأس أبيه :
خبر مثير ، ومن الممكن أن يحصل على ( الخبر الأكثر قراءة ) !
أما إذا كان الخبر : ابن يفصل رأس أبيه عن جسده ، فهذا - والعياذ بالله - سبق صحفي وخبر الموسم !
هكذا هو الإعلام ، في كل مكان في العالم : الأخبار المبهجة لا تعنيه ..
دم على الرصيف ، أهم لديه ألف مرة ، من وردة نمت على نفس الرصيف .
هل سمعتم بقصة حب رائعة تحولت إلى مانشيت ؟.. لا ... ولكنكم بالتأكيد :
سمعتم عن قصة حرب مروعة .. بعد أن صارت ( المانشيت ) و ( الخبر العاجل )
...
نشرات الأخبار - والصحف - توحي لكم أن العالم بشع جداً ،
والعالم ليس بهذه الصورة القاتمة .
لا تنكروا ، ليس وحده الإعلام فقط من يفعل هذا ، حتى أنتم في أحاديثكم الخاصة وجلساتكم :
أخبار الخير تأخذ من وقتكم دقائق قليلة - هذا إذا عبرت في أحاديثكم -
أما الأخبار الشريرة فتأخذ الكثير من أوقاتكم ، وتهتمون بتفاصيل التفاصيل فيها!
هذه الحقيقة للأسف : الشر أكثر جاذبية من الخير !
الخير : طيّب وبرئ وبسيط .. ولا يحب الأضواء كثيراً .
الشر : مشاكس وذكي ومراوغ ، ويعرف كيف يكون سيّد المشهد .
(2)
الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو هذا الخبر الذي كتبه الزميل محمد رابع سليمان :-
فصلت المحكمة العامة بين شقيقين اختصما في والدتهما المسنة
حيث تقدم الشقيق الأصغر بدعوى للمحكمة العامة ضد شقيقه الذى يتولى منذ سنوات رعاية والدتهما المسنة
وتعيش معه رغم تقدمه فى السن ومايعانيه من أمراض ليبرها
وكان يطالب أخاه بأن يترك أمهما عنده نظرًا لكبر سنه (75 عاما)
وهو في حاجة لمن يرعاه
لكن الشقيق الأكبر رفض وقال إنها ستبقى عندى حتى أكسب برها طالما أنا حي ..
فما كان من الشقيق الأصغر إلا أن رفع قضية للمحكمة العامة يطالب بالفصل بينهما.
وحددت المحكمة العامة موعدا للجلسة أمام القاضي بحضور والدتهما المسنة
وعندما وجه القاضى سؤالاً للأم فأجابت ودموعها تذرف هذا يمثل عيني اليمنى والأصغر يمثل عيني اليسرى
ولا أقدر أن أتخلى عن أحدهما
فسكت القاضى ونظر للشقيقين فقرر أن تبقى الأم لدى الشقيق الأصغر كونه أكثر قدرة على تحمل المسؤولية
والأخ الأكبر بلغ75 عامًا من العمر ويحتاج إلى من يرعاه نظرًا لما يعانيه من بعض الأمراض
ورغم أن المشهد كان مؤثرًا لكن الشقيقين خرجا متعانقين متصالحين بعد حكم القاضي.
(3)
لو كنت رئيس التحرير ( بعد الشر يا رب عن الدكتور فهد ال عقران ! ) لوضعت هذا الخبر في الصفحة الأولى ،
وبمانشيت عريض ، يقول : الدنيا لسه بخير .
ولطالبت المحرر بالحصول على اسماء هذين الشقيقين الرائعين ، لتقول لهما
الدنيا " شكــراً " بحجم البر والرحمة التي ملأت قلبيكما الطاهرين .
الناس ملّت من أخبار الكوارث والزلازل والفيضانات والفساد واللصوص والقتل والحروب وانفجار العبوات الناسفة ..
الناس تحتاج إلى خبر يُذكّر الإنسان بإنسانيته .. خبر - وسط مئات الأخبار
التي تتحدث عن الأشقاء الذين يتخاصمون لأجل الميراث - يخبرنا بأن هنالك
أخوة يتخاصمون ويتنافسون : من منهما سيحظى بخدمة والدته المسنة ؟
يالله .. ما أعظمها وما أشرفها وما أنبلها من منافسة ، وما أطهرها من خصومة .